تعبئة الشباب وقدوة الحسين (ع)
يحمل الإسلام قدرة تعبوية كبيرة لمعتنقيه، فالتركيز على الجانب الروحي، والتخلي عن ملذات الجسد والدنيا في سبيل الأهداف الأسمى، والوعد بالجنة ورضوان الله تعالى، تُكسب المسلم قدرة قوية للثبات على الإيمان والدفاع عن أطروحته. لكننا نرى اختلافاً كبيراً بين المسلمين، فمنهم من يكتفي ببعض واجبات الإسلام وينأى بنفسه عن قضايا الأمة، ومنهم من يتوقف عن حدود فكرة التضحية فلا يُقدِم على ما يؤدي إليها، ومنهم من يرفض ما عدا جماعته ويعطي الأولوية لمواجهة مخالفيه وللخلافات الداخلية أو المذهبية على حساب أولوية مواجهة أعداء البلاد والاستكبار، ومنهم من يربط حركته بضوابط دقيقة خاصة عندما يتعلق الأمر بالدماء ويلتزم سبيل الله مهما كلّفت التضحيات إذا صدر الأمر عن القيادة الشرعية المتمثلة بالولي الفقيه. وهكذا نرى اتجاهات عديدة في فهم وتطبيق الإسلام، وهذا عائد إلى العلماء القادة بحسب فهمهم وتوجيههم، ما يؤدي إلى تربية منسجمة مع تفسيرهم لمضمون الإسلام، وبناء على هذه الاتجاهات نرى الحركات والأحزاب وسلوكيات الأفراد في المجتمعات.
لكن ما قدَّمه حزب الله يبين أنها تربية الإسلام، وليست تربية جهة محددة أو خاصة. فعندما لا نجد الأمة تعيش روحية الشهادة والاستعداد لها، فلتقصير ونقص في وعيها والتزامها بتكليفها.وعندما نجح الحزب في هذه التعبئة، فلأنه انسجم مع تعاليم الإسلام، وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني(قده) ومن بعده بالإمام الخامنئي(حفظه الله) النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة
إنَّ الأصل - على أساس الارتباط بالدين- هو الاندفاع نحو الشهادة وليس الهروب منها، ونلاحظ الأعداد الكبيرة من الراغبين بالشهادة يتمنون تكليفهم بعمل استشهادي من موقع حرصهم على تحقيق رضوان الله تعالى والفوز بطاعته. ولا يأتي هذا الأمر من دون تثقيف وبناء روحي وأداء عبادي. فالاستشهاد ليس فكرة للإقناع فقط، إنها اختيار يتطلب إيماناً وتفاعلاً بعد جهد وجهاد مع النفس.
ولكن هل تعني الرغبة بالشهادة إسقاط الرغبة بالنصر؟ أبداً. فالجهاد له ثمرتان:الشهادة والنصر، فيفوز المستشهد بشهادته، ويفوز المجاهدون والأمة بالنصر. وقد عبَّر القرآن عنهما بالحسنيين:" قل هل تربصون بنا إلاَّ إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون
إنَّ القدوة في التربية على الشهادة، تؤدي إلى فعالية التأثير والتبني لنهج الشهادة. ولم تحصل حادثة في التاريخ أعظم من واقعة كربلاء، حيث استشهد الإمام الحسين(ع) وسبعون من خيرة أهل بيته وأصحابه دفاعاً عن الإصلاح في الأمة:" إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" وإسقاطا للحاكم الظالم المنحرف، فيزيد:" قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله" وهو يعلم أن موقفه سيؤدي إلى الشهادة:" قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً"(28).
فعندما يتربى المجتمع على نموذج الإمام الحسين(ع) وأصحابه، يأخذ مدداً من سلوكهم، ويستقل تضحياته أمام تضحياتهم، ويدرك أهمية المواجهة من دون تحقيق النصر العسكري المباشر، وأن الأهداف الكبرى تتطلب مستويات عالية من البذل من دون توقع البدل.
فإذا لم يقف العدد حائلاً أمام جهاد الحسين(ع)، ولم تكن العدة العسكرية مانعة من خوض المعركة، وانحصر الخيار بين الهزيمة والاستسلام أو القتال والشهادة فآثر الشهادة، فما هو مبرر ركون الأمة من بعده إلى الظالمين وخضوعها لسطوة الأعداء؟!
لقد تعلَّمنا من الإمام الحسين(ع) حب الشهادة في حب الله، وعشق الجهاد في سبيل الإسلام. وأدركنا عظمة الإنجازات التي تحققت بشهادته بعد أجيال من نهضته في كربلاء، فنظره لم يكن إلى لحظة المعركة بل كان متوجهاً إلى مستقبل الإسلام والمسلمين.
الاستشهاد والانتحار
إن التربية على الجهاد تعزز روح الاستشهاد والاستعداد للموت في سبيل الله، فالمنطلق للاستشهاد مبني على المفهوم الديني في وجود حياة أخرى، يعيش فيها الإنسان سعيداً وتتحقق فيها كامل أحلامه، فضلاً عن الثمار التي تجنيها الأمة من شهادته. فالشهادة لتحرير الأرض تتجاوز البعد المادي، لتكون تعبيراً عن الطاعة لله في وجوب الدفاع عن الأرض، فهي شهادة في سبيل الله تعالى.
فالاستشهاد فهو عمل طوعي إرادي، يقوم به إنسان يمتلك كل أسباب الحياة الدنيا والتمسك بها والحرص عليها، ولا يعاني من أي سبب للتخلص منها، إنه أداء لشباب مفعم بالحيوية وآمال المستقبل، لكنه مرتبط بتربية دينية روحية على الإيثار، بإيثار الآخرة على الدنيا، وإيثار الأمة على الفرد، وإيثار التضحية على المكاسب الرخيصة الذليلة.
إنه تعبير عن عطاء للنفس في حالة السمو، وهو مرتبط بمواجهة العدو ضمن ضوابط شرعية محددة. فلو توقف تحقيق الأذى للعدو أو إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوفه أو الانتصار عليه على موت بعض المجاهدين واستشهادهم، فهذا عمل مشروع.
وهو يختلف عن الانتحار، فالانتحار تعبير عن اليأس من الحياة، وانسداد الأفق أمام تحقيق الأهداف، والإحباط الذي يؤدي إلى فقدان معنى الاستمرارية في الوجود، ما يجعل اليائس مندفعاً إلى إنهاء حياته، وهو ما يحصل عادة مع غير المؤمن. إذ أن المؤمن يعوِّل على تعويض إلهي له، وهو يعلم أن صبره سيؤدي إلى مكافأته، ولا يجوز أن ينهي حياته يائساً مهما كانت الصعوبات التي يواجهها، لأن العقاب العسير في نار جهنم هو الذي سينتظره، كما لا يحق له أن يتصرف بحياته التي وهبها الله تعالى إياه بهذه الطريقة، فهو أمين عليها، وليس حراً في التصرف بها باتجاه إنهائها كيفما كان.
لذا نلاحظ أن الأفراد المنتحرين هم اليائسون لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو عائلية أو سياسية، عندما تنسَدَّ أمامهم سبل تحقيق ما يرغبون، أو يعيشون عبء الاختبار والابتلاء الذي يواجههم
يحمل الإسلام قدرة تعبوية كبيرة لمعتنقيه، فالتركيز على الجانب الروحي، والتخلي عن ملذات الجسد والدنيا في سبيل الأهداف الأسمى، والوعد بالجنة ورضوان الله تعالى، تُكسب المسلم قدرة قوية للثبات على الإيمان والدفاع عن أطروحته. لكننا نرى اختلافاً كبيراً بين المسلمين، فمنهم من يكتفي ببعض واجبات الإسلام وينأى بنفسه عن قضايا الأمة، ومنهم من يتوقف عن حدود فكرة التضحية فلا يُقدِم على ما يؤدي إليها، ومنهم من يرفض ما عدا جماعته ويعطي الأولوية لمواجهة مخالفيه وللخلافات الداخلية أو المذهبية على حساب أولوية مواجهة أعداء البلاد والاستكبار، ومنهم من يربط حركته بضوابط دقيقة خاصة عندما يتعلق الأمر بالدماء ويلتزم سبيل الله مهما كلّفت التضحيات إذا صدر الأمر عن القيادة الشرعية المتمثلة بالولي الفقيه. وهكذا نرى اتجاهات عديدة في فهم وتطبيق الإسلام، وهذا عائد إلى العلماء القادة بحسب فهمهم وتوجيههم، ما يؤدي إلى تربية منسجمة مع تفسيرهم لمضمون الإسلام، وبناء على هذه الاتجاهات نرى الحركات والأحزاب وسلوكيات الأفراد في المجتمعات.
لكن ما قدَّمه حزب الله يبين أنها تربية الإسلام، وليست تربية جهة محددة أو خاصة. فعندما لا نجد الأمة تعيش روحية الشهادة والاستعداد لها، فلتقصير ونقص في وعيها والتزامها بتكليفها.وعندما نجح الحزب في هذه التعبئة، فلأنه انسجم مع تعاليم الإسلام، وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني(قده) ومن بعده بالإمام الخامنئي(حفظه الله) النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة
إنَّ الأصل - على أساس الارتباط بالدين- هو الاندفاع نحو الشهادة وليس الهروب منها، ونلاحظ الأعداد الكبيرة من الراغبين بالشهادة يتمنون تكليفهم بعمل استشهادي من موقع حرصهم على تحقيق رضوان الله تعالى والفوز بطاعته. ولا يأتي هذا الأمر من دون تثقيف وبناء روحي وأداء عبادي. فالاستشهاد ليس فكرة للإقناع فقط، إنها اختيار يتطلب إيماناً وتفاعلاً بعد جهد وجهاد مع النفس.
ولكن هل تعني الرغبة بالشهادة إسقاط الرغبة بالنصر؟ أبداً. فالجهاد له ثمرتان:الشهادة والنصر، فيفوز المستشهد بشهادته، ويفوز المجاهدون والأمة بالنصر. وقد عبَّر القرآن عنهما بالحسنيين:" قل هل تربصون بنا إلاَّ إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون
إنَّ القدوة في التربية على الشهادة، تؤدي إلى فعالية التأثير والتبني لنهج الشهادة. ولم تحصل حادثة في التاريخ أعظم من واقعة كربلاء، حيث استشهد الإمام الحسين(ع) وسبعون من خيرة أهل بيته وأصحابه دفاعاً عن الإصلاح في الأمة:" إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" وإسقاطا للحاكم الظالم المنحرف، فيزيد:" قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله" وهو يعلم أن موقفه سيؤدي إلى الشهادة:" قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً"(28).
فعندما يتربى المجتمع على نموذج الإمام الحسين(ع) وأصحابه، يأخذ مدداً من سلوكهم، ويستقل تضحياته أمام تضحياتهم، ويدرك أهمية المواجهة من دون تحقيق النصر العسكري المباشر، وأن الأهداف الكبرى تتطلب مستويات عالية من البذل من دون توقع البدل.
فإذا لم يقف العدد حائلاً أمام جهاد الحسين(ع)، ولم تكن العدة العسكرية مانعة من خوض المعركة، وانحصر الخيار بين الهزيمة والاستسلام أو القتال والشهادة فآثر الشهادة، فما هو مبرر ركون الأمة من بعده إلى الظالمين وخضوعها لسطوة الأعداء؟!
لقد تعلَّمنا من الإمام الحسين(ع) حب الشهادة في حب الله، وعشق الجهاد في سبيل الإسلام. وأدركنا عظمة الإنجازات التي تحققت بشهادته بعد أجيال من نهضته في كربلاء، فنظره لم يكن إلى لحظة المعركة بل كان متوجهاً إلى مستقبل الإسلام والمسلمين.
الاستشهاد والانتحار
إن التربية على الجهاد تعزز روح الاستشهاد والاستعداد للموت في سبيل الله، فالمنطلق للاستشهاد مبني على المفهوم الديني في وجود حياة أخرى، يعيش فيها الإنسان سعيداً وتتحقق فيها كامل أحلامه، فضلاً عن الثمار التي تجنيها الأمة من شهادته. فالشهادة لتحرير الأرض تتجاوز البعد المادي، لتكون تعبيراً عن الطاعة لله في وجوب الدفاع عن الأرض، فهي شهادة في سبيل الله تعالى.
فالاستشهاد فهو عمل طوعي إرادي، يقوم به إنسان يمتلك كل أسباب الحياة الدنيا والتمسك بها والحرص عليها، ولا يعاني من أي سبب للتخلص منها، إنه أداء لشباب مفعم بالحيوية وآمال المستقبل، لكنه مرتبط بتربية دينية روحية على الإيثار، بإيثار الآخرة على الدنيا، وإيثار الأمة على الفرد، وإيثار التضحية على المكاسب الرخيصة الذليلة.
إنه تعبير عن عطاء للنفس في حالة السمو، وهو مرتبط بمواجهة العدو ضمن ضوابط شرعية محددة. فلو توقف تحقيق الأذى للعدو أو إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوفه أو الانتصار عليه على موت بعض المجاهدين واستشهادهم، فهذا عمل مشروع.
وهو يختلف عن الانتحار، فالانتحار تعبير عن اليأس من الحياة، وانسداد الأفق أمام تحقيق الأهداف، والإحباط الذي يؤدي إلى فقدان معنى الاستمرارية في الوجود، ما يجعل اليائس مندفعاً إلى إنهاء حياته، وهو ما يحصل عادة مع غير المؤمن. إذ أن المؤمن يعوِّل على تعويض إلهي له، وهو يعلم أن صبره سيؤدي إلى مكافأته، ولا يجوز أن ينهي حياته يائساً مهما كانت الصعوبات التي يواجهها، لأن العقاب العسير في نار جهنم هو الذي سينتظره، كما لا يحق له أن يتصرف بحياته التي وهبها الله تعالى إياه بهذه الطريقة، فهو أمين عليها، وليس حراً في التصرف بها باتجاه إنهائها كيفما كان.
لذا نلاحظ أن الأفراد المنتحرين هم اليائسون لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو عائلية أو سياسية، عندما تنسَدَّ أمامهم سبل تحقيق ما يرغبون، أو يعيشون عبء الاختبار والابتلاء الذي يواجههم