ولادته:
ولد سماحة آية الله العظمى الحاج السيّد علي الحسيني الخامنئي (دام ظله العالي) عام (1939م) بمدينة مشهد المقدسة في عائلة علمائية محترمة.
والده هو آية الله الحاج السيد جواد من المجتهدين و علماء مشهد المحترمين. كان يقيم الجماعة في مسجد گوهرشاد صباحاً، و في مسجد بازار مشهد ظهراً و مساءً لسنوات طويلة، و كان من المبلّغين المعروفين.
طفولته:
قضى آية الله العظمى السيّد الخامنئي (دام ظله) فترة طفولته برعاية والده الذي كان شديد الحرص على تربية أبنائه و تعليمهم، و عطوفاً و محباً لهم في الوقت نفسه. و أمه الأكثر حناناً و عطفاً، و عاش في عسرة و ضيق شديدين. و كما يقول سماحته:
«إنني أتذكر بعض ليالي طفولتي حيث لم يكن في البيت شيء نأكله للعشاء. فكانت والدتي تأخذ النقود التي كانت جدتي تعطيها لي أو لأحد إخواني أو أخواتي أحياناً، و تشتري الحليب أو الزبيب لنأكله مع الخبز».
دراسته:
التحق آية الله العظمى السيّد الخامنئي (دام ظله) و لم يتجاوز عمره خمس سنوات مع أخيه الأكبر السيّد محمّد بتعلم القرآن، و بعد مدة أرسلا معاً إلى مدرسة ابتدائية دينية هي (دار التعليم الديني).
و بعد أن أكمل سماحته المرحلة الابتدائية في هذه المدرسة. التحق بالدراسة المسائية في المدرسة الحكومية ـ دون علم والده ـ و حصل على الشهادة المتوسطة، و هكذا أنهى دراسته الثانوية خلال سنتين بسرعة فائقة حتى حصل على الدبلوم.
و أمّا في مجال العلوم الدينية، فقد شرع بالقواعد العربية في تلك المدرسة (دار التعليم الديني)، و قرأ (شرح الأمثلة) عند والدته، و كتابي (صرف مير) و (التصريف) عند والده، و درس (العوامل) و (الأنموذج) في المدرسة عند اثنين من المعلّمين، ثم التحق في الرابعة عشر من عمره بمدرسة (سليمان خان) للعلوم الدينية، و درس كتابي (الصمدية) و (السيوطي) و قليلاً من (المغني).
و حضر درس الشرائع عند والده، و عندما وصل إلى كتاب الحج طلب منه والده الالتحاق بدرسه (شرح اللمعة) إلى النهاية.
ثم واصل دراسته في مدرسة (نواب) للعلوم الدينية و أكمل السطوح و عمره لا يتجاوز السادسة عشر، ثم شارك في البحث الخارج عند المرحوم آية الله العظمى الميلاني (قدس سره).
هاجر سماحة السيد إلى مدينة النجف الأشرف سنة ( 1378 هـ ) ، ودرس عند كل من الآيات العظام : السيد محسن الحكيم ، والسيد أبو القاسم الخوئي ، والسيد محمود الشاهرودي ، بالرغم من قِصَر المدة التي أمضاها هناك .
وعند عودته إلى إيران ، حضر سماحة السيد دروس سماحة آية الله العظمى السيد البروجردي ، وآية الله العظمى الشيخ مرتضى الحائري ، بالإضافة إلى الدروس والمحاضرات التي تلقَّاها لدى الإمام الخميني في الفقه والأصول .
بالإضافة إلى الفقه و الأصول فقد درس الفلسفة و الرجال و الدراية و الهيئة و التفسير عند فطاحل العلماء أمثال آية الله ميرزا جواد الطهراني، و آية الله العظمى السيّد الحكيم، و الإمام الخميني، و آية الله العظمى السيّد البروجردي، و العلاّمة الطباطبائي (قدس الله أرواحهم).
لقد قضى آية الله العظمى السيّد القائد (حفظه الله) أكثر أيام دراسته في حوزة مشهد المقدسة، بالإضافة فقد سافر و استقر في حوزة النجف من عام (1957م) لفترة قصيرة. ثم رحل إلى مدينة مشهد و منها مهاجراً إلى مدينة قم في عام (1958م) و بقي فيها إلى عام (1964م) مشتغلاً بتحصيل المعارف الإسلامية.
تدريسه:
لقد اشتغل آية الله العظمى السيّد الحسيني الخامنئي (دام ظله الوارف على رؤوس الأنام) بالتدريس منذ بداية دراسته، فقد أتقن كل دروسه و درّسها بمهارة و قدرة، فقد حباه الله بالنبوغ و الاستعداد و الذوق الرفيع.
أضاف سماحته قائلاً:
«لقد شرعت بالتدريس في الأيام الأولى من دراستي الحوزوية أي بعد إتمام المرحلة الإبتدائية في المدرسة مباشرة، و بدأت بتدريس كتاب (الأمثلة) و (صرف مير) لاثنين من كبار السن و كانا من خطباء مشهد، و حتى عام (1958م) حيث كنت مقيماً في مشهد، قمت بتدريس هذه الكتب (الصرف، النحو، المعاني، البيان، الأصول و الفقه)، و في قم أيضاً قمت بالتدريس إلى جانب دراستي. و بعد عودتي من قم إلى مشهد عام (1964م). كان التدريس أحد برامجي الرئيسية و الدائمية، و طوال هذه السنوات حتى عام (1977م). قمت بتدريس السطوح العليا، المكاسب، و الكفاية، و التفسير و العقائد».
و قد حصل سماحته على رتبة الاجتهاد على يد استاذه آية الله العظمى الحائري عام (1974م) بعد حضوره البحث الخارج أكثر من خمسة عشر عاماً.
و لم يترك سماحة ولي أمر المسلمين (حفظه الله) التدريس حتى بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة و تصديه للمناصب السياسية فيها، فقد عقد جلسة البحث الخارج، و الجلسات الفقهية في المسائل المستحدثة أيضاً، يحضرها عدة من كبار العلماء و المجتهدين.
جهاده:
عاش سماحة آية الله العظمى السيّد علي الخامنئي (دام ظله) طول حياته المباركة إمّا مجاهداً بالقلم و البيان أو بالسلاح خصوصاً حينما بدأ الإمام الراحل العظيم (رضي الله عنه) ثورته الإسلامية الكبرى عام (1962م)، فلم يتوان هذا المجاهد الشجاع لحظة واحدة في السعي و الجهاد.
و إن جهاده ليحتاج إلى مؤلفات لا يسع هذا المختصر لذكره، لذا فإننا نكتفي بالإشارة إلى ذكر بعض جوانبه.
لقد نهضت الحوزة العلمية في قم و ثار مركز العلم و التقوى و الجهاد سنة (1962م) بنداء من إمام الأمة (رضي الله عنه) ضد الشاه، فكان العلماء و الطلبة يوصلون نداءات و توجيهات الإمام و سائر المراجع إلى أقصى مناطق إيران بكل إخلاص و شجاعة، و كانت إعلاناتهم تطبع و توزّع بمساندة جميع القوى الشعبية والمؤمنة، و انتقلت هذه الثورة إلى سائر الحوزات العلمية و المجاميع الدينية و أهمّها حوزة مشهد العظيمة الصامدة.
و كان لسماحة آية الله العظمى الخامنئي (حفظه الله) دور بنّاء و عظيم في هذا المجال، فإلى جانب نشاطاته في قم، وثّق علاقاته بالعلماء و الطلبة في مشهد و سعى ـ مستعيناً بنشاط سائر علماء خراسان ـ في تجهيز طلبة العلوم الدينية بصورة أفضل و توعيتهم.
و قد كانت لهذه النشاطات و النداءات و الخطابات أكبر الآثار في زعزعة أركان النظام، و لهذا فقد تعامل النظام مع سماحته بعنف و وحشية لم يسبق أن عومل العلماء بهذا الشكل من قبل، فقد تحمل سماحته ألوان التعذيب و الإهانات في السجون الانفرادية و غيرها، حتى هدد بالقتل، و هكذا اعتقل و أودع السجون المخيفة عشر مرات حيث أنّ مجموع ما سجن كان ما يقارب أربعة عشر شهراً، و أبعد إلى مدينة إيران شهر مدة سنة تقريباً.
و بعد كل هذه المعاناة صار سماحته محوراً للعمل الثوري في ساحة مشهد المقدسة حيث انهالت عليه الاتصالات و المراسلات من شتى بقاع إيران، و كان هو كذلك مرتبطاً بهم جميعاً، حتى ذاع صيته و عرف بشجاعته، و كثرت عليه الدعوات من أكثر المدن كأصفهان و كرمان علاوة على طهران لإلقاء الخطابات و المحاضرات، فما كان من سماحته إلاّ أن استفاد من هذه الفرص لنشر فكر الثورة و الجهاد، و كان لهذه الفعاليات كلها في هذه الأيام العصيبة من خطابات و تأليفات الأثر البالغ في رفع الحس الثوري و الوعي السياسي في الأمة.
و من أهم ما قام به سماحته ضد الحكم البهلوي و كان له الأثر الكبير في انتصار الثورة المباركة هو تشكيل خلايا علمائية سرّية، فبعد تلاشي و قمع مثل هذا العمل من قبل النظام البهلوي في عام (1965م)، وفق سماحته في سنة (1977م) لإعادة هذا التشكيل بالاستعانة مع آية الله الشهيد بهشتي، و آية الله هاشمي رفسنجاني.
و كان لهذا المشروع الدور الفعّال في إشعال شرارة المسيرات العظيمة و الغاضبة التي أدّت إلى انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، و هزيمة الطاغوت.
مسؤولياته بعد انتصار الثورة:
بعد انتصار الثورة الإسلامية بدأ دور جديد للعمل الشاق لرجل العلم و العمل سماحة آية الله العظمى السيّد علي الخامنئي (دام ظله)، فكان جهادته المتواصل ليل نهار سبباً لتقويم الدعامات الأساسية للثورة، و يأساً لأعداء الإسلام و المسلمين.
فكانت أهم مسؤوليات سماحته كالآتي:
1ـ عضوية مجلس قيادة الثورة الذي كان له دور مهم في انتصار الثورة و إدارتها.
2ـ عضو أساس في لجنة استقبال الإمام الخميني (قدس سره).
3ـ ممثل الإمام عن مجلس قيادة الثورة في وزارة الدفاع.
4ـ قيادة حرس الثورة الإسلامية.
5ـ إمام جمعة طهران.
6ـ عضوية مجلس الشورى الإسلامي في الدورة الأولى.
7ـ مستشار الإمام الخميني (قدّس سرّه) في مجلس الدفاع الأعلى.
8ـ رئاسة الجمهورية لدورتين بعد استشهاد رجائي و باهنر.
وبرحيل الإمام الخميني (قدّس سره الشريف) في 3 حزيران (1989م) عقد مجلس الخبراء في صباح اليوم التالي جلسة طارئة لانتخاب القائد...، و لم تمض عشرون ساعة على الجلسة حتى تمت مبايعة آية الله العظمى الخامنئي (مد ظله العالي) ولياً لأمر المسلمين، و قائداً للثورة الإسلامية بأكثرية الآراء، و استطاع بقيادته الحكيمة تسيير دفة الثورة، و السير بها على نهج الإمام الراحل (رضي الله عنه)، و على خطه الإسلامي الأصيل، بعيداً عن مطامع الأعداء في الداخل و الخارج.
و يزداد هذا القائد ـ بلطف الله و رعايته ـ يوماً بعد يوم في قلوب المؤمنين محبة و عشقاً، و في قلوب الأعداء حقداً و بغضاً، و هكذا يتسامى في سلّم القيادة ـ بعون الله ـ قدرة و ازدهاراً حتى ظهور بقية الله الأعظم (عجل الله فرجه)، و العيش في ظل قيادة خاتم الأوصياء (صلوات الله عليه).
e